الكنوز والدفائن في القرآن الكريم
القرآن الكريم أشار إلى وجود الكنوز في عدد من الآيات، ومنها قوله تعالى:
اقتبـاس ،، "وكنوزٍ ومقامٍ كريم" [الدخان: 26]وفي قصة قارون، قال تعالى:
اقتبـاس ،، "فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم" [القصص: 79]ثم قال بعدها:
اقتبـاس ،، "فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله" [القصص: 81]هذه الآيات تُبيّن أن الكنوز كانت موجودة لدى الأقوام السابقة، وقد تكون مدفونة أو مخزونة، وأن الله قد يُعاقب من يتجبر بها أو يستخدمها في الفساد.
الكنوز في الحديث النبوي الشريف
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الأحاديث التي تُشير إلى وجود الكنوز والدفائن، وأهمها:
- "وفي الركاز الخمس" [رواه البخاري ومسلم]
والمقصود بالركاز: ما وُجد من دفائن الجاهلية، أي كنوز الأقوام السابقة.
- وقد أفتى علماء الإسلام بأن الركاز يُخرج منه الخُمس لبيت المال، والباقي لمن وجده إذا لم يكن في أرض مملوكة لغيره.
أنواع الكنوز بحسب الفقه الإسلامي
- الركاز:
دفائن الجاهلية، وغالبًا ما تكون من الذهب أو الفضة، وتُعدّ غنيمة لمن يجدها بشرط إخراج الخمس.
- اللقطة:
ما يُعثر عليه من مال ظاهر ليس له صاحب معروف، ويجب تعريفه عامًا كاملًا قبل التملك.
- المعدن:
ما يُستخرج من باطن الأرض من ذهب أو فضة طبيعي (غير مدفون)، ويُعتبر مالًا له زكاة وليس ركازًا.
هل استخراج الكنوز حلال؟
اختلف العلماء في بعض الحالات، لكن يمكن تلخيص الحكم الشرعي كالتالي:
| الحالة | الحكم الشرعي |
|---|---|
| كنز جاهلي ليس له مالك، وُجد في أرض غير مملوكة | حلال بشرط إخراج الخُمس |
| كنز في أرض مملوكة لغيرك | لا يجوز، بل يجب الرجوع لصاحب الأرض |
| كنز في أرض مملوكة لك | حلال إن لم يُعرف له صاحب سابق |
| التنقيب عن الكنوز بوسائل غير شرعية أو سحرية | حرام |
| بيع كنوز أثرية بدون علم الدولة | ممنوع قانونًا وقد يكون حرامًا إن فيه خيانة للأمانة العامة |
الدفائن الإسلامية: ما قبل الدولة العثمانية
خلال الفتوحات الإسلامية، كان المسلمون يعثرون أحيانًا على كنوز تعود إلى الفرس أو الروم. لم يكن الهدف منها التملك الشخصي، بل كانت تُسلَّم للخليفة أو بيت المال.
من أشهر الكنوز التاريخية:
- كنوز كسرى التي وقعت في يد المسلمين في معركة القادسية، حيث أُرسل بعضها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقام بتوزيعها على المسلمين.
- كنز المقوقس في مصر الذي أُخذ في عهد عمرو بن العاص.
هل عُثر على دفائن إسلامية فعلًا؟
نعم، على مر التاريخ الحديث، تم العثور على دفائن تعود للعصور الإسلامية، ومنها:
1. كنز الذهب الإسلامي في فلسطين (2020):
- وُجد في مدينة يافا، وضمّ أكثر من 400 قطعة ذهبية تعود للعصر العباسي.
- الكنز وُضع في أوانٍ فخارية بطريقة توحي بأنه كان معدًا للدفن.
- تم العثور عليه قرب مسجد عمرو بن العاص، وضمّ نقودًا ذهبية وفضية تعود لفترة الخلافة الفاطمية.
- احتوى على تحف نادرة، من بينها سيوف مرصعة ومخطوطات قديمة.
رأي العلماء المعاصرين في التنقيب عن الدفائن
- إذا كان التنقيب منظمًا وتحت إشراف الدولة، فهو مباح.
- إذا كان عشوائيًا أو فيه ضرر أو تدمير لموقع أثري، فهو حرام.
- لا يجوز الاستعانة بالسحر أو الشعوذة لاستخراج الكنوز، بل هذا يُعد من الكبائر.
هل يمكن اعتبار الكنوز موردًا شرعيًا للرزق؟
نعم، لكن ضمن شروط:
- أن تكون بطريقة مشروعة.
- أن تُخرج منها الزكاة (الخُمس للركاز).
- ألا تُكتسب من طريق حرام مثل السرقة أو الاعتداء على أرض الغير.
الكنوز والدفائن في الثقافة الإسلامية الشعبية
العديد من القصص المتداولة في المجتمعات الإسلامية عن الكنوز ترجع لأزمنة قديمة، وقد اختلط فيها الواقع بالخيال، مثل:
- كنوز الجن في باطن الأرض.
- الحراس الروحيون أو الرصد.
- الكنوز المحمية بالتعاويذ.
خاتمة
الدفائن في التاريخ الإسلامي ليست مجرد أموال مدفونة، بل قصص حضارات، وسجلات شعوب، وإرث أمانة. ومع أن الشرع أباح لبعض الناس الانتفاع بها، فإنه في الوقت نفسه شدد على الضوابط الأخلاقية والشرعية لذلك. كنوز الأرض ليست أغلى من كرامة الإنسان، والثراء الحقيقي لا يأتي بالتحايل، بل بالصدق والعلم والعمل المشروع. فإذا ما نويت أن تبحث عن دفين، فليكن بدافع المعرفة، وبوسائل الشريعة، وتحت مظلة القانون.